محنة أم – بقلم أحمد يوسف

ت اولادها الثلاث فداء لثورة قالوا فيها: الموت ولا المذلة. و أم أحمد هي الوحيدة من اهلها من رفض الخروج من بيته لتبقى تواجه عبثية الدهر الذي حمل اليها قتلة اولادها الثلاث. لقد عادوا في عملية مداهمة اخرى فلم يجدوا في البيت سوى هذه الام الثكلى ليطلبوا منها بريقا من الشاي، فقدمته لهم. قال لها ابنها أحمد فيما بعد: لقد قتلوا اخوتي! كان عليك ان تقدمي لهم سما لا شايا. كان ردها محيرا في فهمه: انهم اولاد جاهلون لما يفعلون فلا ذنب لهم، من قتل اولادي فلذة كبدي وسلب روحي مني هو الذي ارسلهم. من الصعب التميز في لغة الام بين المجاز والحقيقة. فلسنا نحن الرجال سوى قطعة مسلوخة عن جوف أم: اننا فلذة اكبادهن. ولسنا سوى روح امهاتنا تماما كما كان ابناء ام أحمد روحها. لقد قرأت عن المسيح قوله من ضربك على خدك الايمن فدر له خدك الايسر. ولكن لم اسمع ابدا في حياتي ان نبيا او اله قال: من قتل ابناءك فقدم له الشاي. وقرأت اقوالا توصي بان: أحب لأخيك ما تحب لنفسك. ولكني لم اقرأ او اسمع أحدا قال: أحب لعدوك ما تحب لنفسك. لقد جعل القتلة أم أحمد تعيش في كل يوم موتها. تعيشه في زوايا البيت التي نام فيها ابناءها في طفولتهم. فهنا مشوا وهنا ناموا وهنا كبروا على عجل. وهنا ولدوا وهنا ماتوا قتلا دونما وجه حق. وتحتاج القيم النبيلة لمثل ترفع من سلوكنا ولرموز مشخصة تجسد تلك المثل. ولأول مرة اسمع عن تشخيص تجاوز في مثاليته كل المثل. فما زالت أم أحمد رغم محنة موتها اليومي رمزا للسماح لطالما مازال ينبض في صدرها قلب أم.